Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

القاص الكبير سمير الفيل يكتب: محمد أبو العلا السلاموني.. كاتب مسرحي ارتبط بقضايا شعبه

 كتب:  العاصمة
 
القاص الكبير سمير الفيل يكتب: محمد أبو العلا السلاموني.. كاتب مسرحي ارتبط بقضايا شعبه
جانب من أحد اللقاءات بين
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
حين أردتُ أن أكتب عن محمد أبو العلا السلاموني، رأيت أن أقوم بسرد بعض الوقائع حول تحربته في مدينة دمياط.. وكيف رأيته في بداياته؟ وكيف أثَّر هو وجيل الرواد على الأقلام التي أتت بعده؟
أما مجال البحث الأكاديمي حول نصوصه المسرحية فيمكن أن نعثر عليها في الكتب والدوريات المتخصصة ؛ ذلك أنه كاتب هام جدا في مجال المسرح المصري بل العربي الذي أثراه بنصوص تبحث عن فكرة الحرية والعدل الاجتماعي ومحاربة الفقر والجهل في وطننا مصر كما أنه ارتبط بقضايا شعبه دون أن يفرط في جماليات النص رغم مغامراته الفنية المدهشة.
وهو من أهم الكتاب المحدثين الذين تعاملوا مع التراث الشعبي لتقديم شكل عربي يقترب من حميمية الواقع ومناطقه الدافئة، وقد اتجه لتجسيد الفعل المسرحي عبر أحداث تصنع هندستها مع الواقع، ونجد أن هذه المرحلة تهتم بالكلمة المغموسة في مرجعيتها الاجتماعية، وما بث الكاتب أن اتجه بقوة إلى عناصر التاريخ باعتباره المخزون الثري الذي يمكن مساءلته واستنطاقه.
أعماله ترصد بدقة سير شخصيات تاريخية أو تتبع أحداثا كان لها أكبر الأثر في تشكيل ملامح المنطقة عبر حس درامي رائق، وحاول تحرير الفعل المسرحي من قيوده الأرسطية.
ولد محمد أبو العلا السلاموني بمدينة دمياط يوم 3/1/1941، وتخرج من معهد المعلمين فعين مدرسا ابتدائيا، وما لبث أن أكمل تعليمه الجامعي فحصل على ليسانس آداب القاهرة سنة 1968، وبذا انتقل للتدريس بالمرحلة الثانوية.
عرفته كاتبا في بداية عام 1969 حيث كنت طالبا بالصف الثالث بدار المعلمين وكان يحضر الندوة الأسبوعية أحيانا، فقرأت عليه قصائدي الأولى فوجدت منه إصغاء شديدا وتشجيعا حقيقيا.
كانت منضدة الإثنين تضم الرواد الكبار: محمد السلاموني، وبشير الديك، وطاهر السقا، والسيد النماس، وأنيس البياع، والحسيني عبد العال، وعبد الرحمن أبو طايل، وأحيانا يأتي يسري الجندي.. ربما كان السلاموني بدماثته ورغبته في التعرف على الأقلام الشابة مستمعا جيدا للجيل الجديد، فهو يأخذ بأيدي من يبدأون الطريق، ويوجهه بقدر من التفهم والطيبة.
بعد ذلك كنت في زيارة لمدرسة ابن خلدون ووجدته مدرسا فيها، وعرفت فيه المدرس المخلص، المتميز. في تلك الفترة فاز بجائزة أولى عن مسرحيته "أبو زيد في بلدنا"، ونشر الخبر في مجلة كان يصدرها نادي الأدب بطريقة "الأستنسل" وكان يوزعها كامل الدابي أمين المكتبة. وشعرنا وقتها أن في مدينتنا كتاب كبار يحصدون الجوائز.
في ديسمبر 1969 حصلت قصيدتي "المطبعة" على شهادة تقدير في المؤتمر الأول للأدباء الشبان بالزقازيق فصرت واحدا من التجمع. وكانت لنا جلسة إضافية على الرصيف المواجه لمحل محمد النبوي سلامة شيخ شعراء دمياط، وفي أوقات أخرى في مقهى "أنسطاسي" أو مقهى "البوسفور" وقد اندثرا.
قبل انتقال "السلاموني" للقاهرة بفترة أسس نادي المسرح بقصر ثقافة دمياط، وقدمت تجارب جديدة شارك فيها عدد من شبان المسرح حينذاك مثل شوقي بكر، وفوزي سراج، ورأفت سرحان، ومحمد الشربيني، وناصر العزبي، ومحمود عثمان، وأشرف طلبة، وغيرهم من فنانين موهوبين، كانوا يخطون خطواتهم الأولى كما تم إصدار مجلة "المسرح 80" والتي دشنها محمد الشربيني، وأحمد عبد الرازق أبو العلا، ومحمد غندور، وكان عراب الحركة هو محمد أبو العلا السلاموني.
في دمياط قدمت له أعمال مهمة، نذكر منها: "حدث في ليلة القدر"، زيارة عزرائيل "، "الحريق". وشاهدت له في مدينة بورسعيد مسرحية "رواية النديم في هوجة الزعيم"، ومن عاش تلك الفترة يعرف أن المثقفين ليلة افتتاح العرض وقعوا على بيان للإفراج عن المثقفين المعتقلين كما صعدوا لخشبة المسرح لتأكيد فكرة الاحتجاج .
كانت النتيجة القبض على عدد من النخبة المثقفة، وقتها كنت في إجازة من الكتيبة العسكرية التي انتمي إليها، وسافرت عائدا إلى الثكنات تحت جنح الظلام.
سافر "السلاموني" إلى القاهرة؛ فأحدث ضجة في العاصمة بنصوصه التي مثلت على مسارح الدولة. وما زلت أذكر الحفاوة التي قابل بها ثقاة النقاد أعماله، ومنهم فاروق عبد القادر الناقد المصري الشهير. وحدث أن وصلتني دعوة كريمة لحضور افتتاح مسرحية "رجل في القلعة " التي أخرجها حسب ذاكرتي سعد أردش ، وفي ليلة العرض قابلت الروائي صبري موسى وعطيات الأبنودي وكان الديكوريست الراحل مجدي شاهين يعرض لوحات لديكور بعض المسرحيات في حجرة ملحقة بالمسرح القومي.
وقد هنأت الكاتب الكبير على عرض المسرحية على أعرق مسارح العاصمة، وبت ليلي في بيت محمد الشربيني.
حصل السلاموني على جائزة الدولة التشجيعية لكن إنتاجه كان أكبر من الجائزة وهو ما لمسه المتابعون لما ينشره من كتابات. وبعد سنوات يفوز بجائزة التفوق عن بعض أعماله الرصينة، وهذا دليل براعته في كتابة هذا الفن الصعب.
كان السلاموني يسكن بالقرب من حارة العيد أو حي المولد في مدينة دمياط، وحين أزال أحد المحافظين مظاهر الاحتفال بالمولد، كتب "السلاموني" ينتقد ذلك القرار عبر مسرحيته "مولد يا بلد".
ومن سمات السلاموني الفنية أنه مهتم جدا بالتاريخ وهذا يظهر في اختياراته وموضوعاته التي يعالج بها فترات حاسمة من تاريخ مصر المعاصرة كما أنه يتناول الشخصيات التاريخية بمعالجات تحمل رؤية مستنيرة، وتفسير بعض الجوانب الغامضة والمشوشة في مراحل مفصلية في واقعنا العربي أو لأحداث جرت في الماضي مع وجود إسقاط للمرحلة المعايشة.
ومن أبرز اعماله في هذا المجال مسرحية "مآذن المحروسة" التي مثلت المسرح المصري في مهرجان القاهرة الأول للإبداع العربي سنة 1984 إخراج الفنان الكبير ابن مدينة فارسكور سعد أردش.
ومسرحية "الثأر ورحلة العذاب" والتي مثلت المسرح المصري في مهرجان جرش بالأردن سنة 1986، وهي من إخراج الفنان عبد الرحيم الزرقاني.
ومسرحية "ديوان البقر" التي قدمت في مهرجان قرطاج الدولي بتونس سنة 1995 من إخراج الفنان كرم مطاوع.
كما قدمت له مسرحيته (رجل في القلعة-الصعود للقلعة) في مهرجان ربيع المسرح بالمغرب 1994 إخراج الفنان الطليعي ناصر عبد المنعم ،وهو الذي اخرج هنا في دمياط عملين مهمين هما "المجانين " من إعداد محمد الشربيني، و"خشب الورد" من تأليف علي سالم.
وقدم مسرحية "ست الحسن" من إخراج عبد الرحمن الشافعي وفاز نص المسرحية بجائزة في معرض القاهرة الدولي للكتاب .
وقدمت له مسرحية " تحت التهديد " على مسرح الهناجر، وعنها فاز بجائزة التأليف في مهرجان المسرح المصري القومي .
تعامل السلاموني مع المسرح الخاص حين أخرج له الفنان جلال الشرقاوي عملين في إطار الكوميديا الاستعراضية ، وهما "باحبك يا مجرم" سنة 1990 و"المليم بأربعة" بطولة الفنان نور الشريف ونورا ومحمود الجندي.‏
شخصيا تعاملت مع أعمال قدمتها فرقة دمياط القومية ككاتب أشعار ومنها مسرحية "أبونضارة " عن شخصية يعقوب صنوع، و"زيارة عزرائيل" والتي شاركني فيها كتابة الأغاني الشاعر محمد النبوي سلامة.
جميع مسارح مصر الكبيرة عرضت أعماله، ومنها مسارح  (القومي، الحديث، البالون، الطليعة، الكوميدي، السامر، الهناجر) وأغلب مسارح الأقاليم أضيئت بنصوصه الفارقة ، ومنها بالطبع مسقط رأسه دمياط.
اقتحم السلاموني دائرة الدراما التلفزيونية بتقديم مسلسلات منها : البحيرات المرة ، الحب في عصر الجفاف، صفقات ممنوعة، رسالة خطرة، أحلام مسروقة، قصة مدينة، حكاية بلا بداية ولا نهاية، اللص والكلاب، كاميليا والملك، نسر الشرق، وغيرها.
أصدرت له الهيئة العام للكتاب أعماله الكاملة من المسرحيات التي سبق نشرها أو عرضها، وهو إنجاز يقتصر على كبار الكتاب المتحققين.
الجوائز التي حصل عليها عديدة، ومنها: جائزة الدولة في الآداب عن النص المسرحي سنة 1984، وحصل على وسام الدولة في العلوم والفنون من الطبقة الأولى سنة 1986 ، حصل على جائزة أحسن نص مسرحي من معرض الكتاب الدولي بالقاهرة سنة 1992. حاز جائزة أحسن نص مسرحي بالفصحى من منظمة الأليسكو في مهرجان قرطاج الدولي سنة 1995.
بعد سفره للقاهرة تدرج في المناصب، حتى وصل لمنصب مدير عام المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة،وهي فترة عرفت بصماته الفنية الواضحة كما أخبرني محمد الشربيني ـ صديقنا الذي رحل شابا ـ وهو عضو اللجنة الدائمة للمسرح بالمجلس الأعلى للثقافة.
عن ترجمة مسرحياته إلي لغات أجنبية يقول أبوالعلا السلاموني إن "الثأر ورحلة العذاب" ترجمت إلي اللغة الإنجليزية‏،‏ ثم قامت الدكتورة فاطمة موسي بترجمة نص "الحادثة التي جرت في شهر سبتمبر" إلى اللغة الفرنسية، والمترجمة الشهيرة لم تترجم إلا مسرحيته وعملا آخر للروائي الكبير نجيب محفوظ‏..‏ وقد حضر السلاموني حفل توقيع هذا الكتاب في مدينة جنيف عام 2008 ، حيث كانت مصر الضيف الدولي في هذه الدورة من المعرض.
كما ترجمت مسرحية "زوبة" المصرية إلي اللغة الفرنسية، وقد حضرت بمعرض القاهرة الدولي للكتاب جلسة لمناقشة ترجمة العمل بحضور المؤلف.
بلغ من قوة ونفاذية مسرحيات السلاموني وهضمه للتاريخ أن كثيرا من مسرحياته اشتبكت كما ألمحنا مع عالم التراث واستلهام شخوصه وأحداثه مثل مسرحيات "سيف الله" ، و "الثأر و رحلة العذاب" ، و"رجل في القلعة " عن عصر محمد علي و"هوجة الزعيم " عن عصر النديم وأحمد عرابي و"أبو نظارة " عن عصر الخديوي إسماعيل‏.
كما كتب مسرحية عن أحداث فلسطين ، هي "القتل في جنين"، واستخدم الكاتب الكبير مختلف أشكال المسرح التراثي موظفا إياه في تقديم "فرجة شعبية " كتلك التي أشار إليها الدكتور علي الراعي في كتابه الشهير "المسرح المرتجل" مثل المحبظاتية والأراجوز وبابات ابن دانيال في أعمال عديدة‏ تميزت بالحس الفني الراقي.‏
قمت بإجراء عدة حوارات معه حول قضايا المسرح المصري، منها ما نشر في جريدة اليوم السعودية بتاريخ 27 أبريل سنة 1996، ومن الحديث سنتعرف على بعض ذكرياته، وأفكاره، وردوده حول قضايا أساسية تحدث عنها بشفافية ووضوح، منها:
ـ مفهومي لاستخدام التراث في المسرح أنه ليس بدعة لكنه تقليد بدأ من الإغريق، وقد كان كتاب الإغريق يستخدمون التراث في عرض قضاياهم، فمعظم ما كتب كان يؤخذ من إلياذة هوميروس، والأساطير التي أوردها في تلك الإلياذة.
ـ شكسبير كانت معظم كتاباته مأخوذة من التراث، فالتراث مصدر هام لكاتب الدراما من خلاله يستطيع أن يتعرض لكثير من القضايا خصوصا ما يتناول قضايا الإنسان ووجوده في الكون.
ـ ردا على اتهامي باللجوء للتراث والتاريخ ابتعادا عن التصادم مع الواقع، لم يحدث أن ابتعدت عن الواقع، والدليل على هذا مسرحياتي الواقعية التي كتبتها مثل "حكاية ليلة القدر" التي تناولت قضايا الطبقات الشعبية في المدينة، وصراعها ضد الظلم الاجتماعي، كذلك "أبوزيد في بلدنا " و"الحريق"، وتتناول المسرحيتان قضايا الريف والفلاح في صراعه الاجتماعي ضد مستغليه.
أيضا "زيارة عزرائيل" التي تناولت قضايا محددة تتصل بما يحدث من تجاوزات في المستشفيات العامة، أما مسرحية "المزرعة " فقد تناولت القضية الفلسطينية بشكلها الواقعي وليس التاريخي كما يلجأ البعض حين يتناول تلك القضية.
ـ الجيل الذي انتمي إليه هو الجيل الثالث، والذي أتى بعد جيلين سابقين. هناك جيل الرواد، وجيل الستينيات. هذا الجيل الثالث استفاد من تجربة الجيلين السابقين، وأضاف تجربته الخاصة خلال السبعينيات، وذلك في أعمال تتناول قضايا الواقع والتاريخ والتراث، وفي اعتقادي أن الإضافة الحقيقية لهذا الجيل هي النصوص التي يمكن أن تكون في نطاق أدب المسرح الذي نفتقده، ونسعى إلى تدعيمه باعتبار أن فن المسرح فن مستحدث ويحتاج إلى تأصيل.
ـ ليس هناك حركة نقدية حقيقية في جيلنا . نحن بكل تأكيد جيل لا نقاد له، وكل ما كتب عنا شذرات، وأن ما ينبغي أن يكتب عنا لم يكتب بعد. حظنا قليل بل ضئيل تماما بالنسبة لحركة جيل السبعينيات، وهذا راجع في حقيقته إلى المناخ الثقافي المتردي، خصوصا في مرحلة السبعينيات، وما نتج عنه من سلبيات عصر الانفتاح.
ـ نادي المسرح يعتبر حاليا رأس حربة المسرح الحقيقي الذي ينبغي أن ينطلق لمواجهة الركود في حركة المسرح الحقيقية ، وفي اعتقادي أن نادي المسرح يعتبر الخلية الأولى لإعادة حيوية المسرح ، ودفع الدم في شرايينه خصوصا في مواجهة تحديات الأدوات الفنية الأخرى كالسينما والتلفزيون والفيديو ، مستعينا في ذلك بأهم عنصر لا تستطيع الأجهزة الأخرى أن تستخدمه ، وهو العنصر البشري الحي.
ـ سر حيوية نوادي المسرح وسر حيوية التجارب منذ المهرجان الأول، والذي تحملت الثقافة الجماهيرية مسئوليته ، أما عن حدود التجارب ففي اعتقادي أن نادي المسرح لا حدود لرؤياه الفنية، وأن عليه أن يتجاوز كل ما هو مطروح وسائد، وكلما كان هناك جديد، انسعت رقعة عمله وانطلاقه وتأثيره.