Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

«قهوة على الريحة».. قصة قصيرة للكاتب الكبير «سمير الفيل»

 كتب:  العاصمة
 
«قهوة على الريحة».. قصة قصيرة للكاتب الكبير «سمير الفيل»
الكاتب الكبير سمير الفيل
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

كانت المرة الأولى التي يشرب فيها قهوة، لذلك ظل يفكر في طلب يكون قريبا من مزاجه.



ـ قهوة على " الريحة".


سمعه النادل، وجاء بفوطة نظيفة فمسح الماء المنسكب من طلبات سابقة لزبائن أخلوا أماكنهم، ذاهبين إلى أعمالهم، يسبقهم تثاؤبهم . مد يده وتحسس الجسم الصلب الذي وضعه بين طيات ثيابه خوفا من لصوص القطارات .


جاء الصبي ماسح الأحذية، ظل يضرب بغطائي علبة الورنيش، ولما لم يطلب أحد مسح حذائه. ركن خده على يده، وراح يرقب القطط الشقية التي كانت تبحث عن طعام .


دخل الشرطي السري بملابسه المدنية، وجلس في مواجهته تماما، صفق، طالبا: "شاي سكر خفيف".


لحظات وعاد النادل بالطلبين. طلبه وطلب الشرطي السري ذي الشارب الكث، توفيرا للنفقات أحضر كوب ماء واحد.


مد الشرطي السري يده مستأذنا: حضرتك تحب تشرب ؟


غالب الشاب ارتباكه: أبدا. شكرا.


شعر بمرارة القهوة، لكنه أرجع ذلك لكونه لم يتعود عليها بعد.


أخرج الشرطي السري عدة صور فوتوغرافية من جيبه. راح يحدق في الملامح، ثم وضع الصور في جيب سترته العلوي، وأبقى صورة واحدة.


رن الموبايل في جيب الشاب فتحدث بصوت منخفض لا يكاد يسمع، أسرع بوضع الموبايل مكانه.


تمعن الشرطي السري في وجه الشاب: حضرتك غريب؟


كان متعبا من سفر بعيد، فلم يفتح فمه كي يرد. خمن إنها بداية حديث قد يطول، ورأسه موجوع من خبطات فلنكات القطار .


ـ ألا تسمعني؟


ـ أنا ؟


ـ لا، خيالك. اسمك أيه؟


ـ قدري التابعي صافو .


ـ عملك؟


ـ عامل بناء.


حدق ثانية في الشامة التي يخفي القميص بقيتها : من أي بلد؟


ـ أسيوط؟


ـ متأكد؟


ـ نعم. ولماذا أكذب؟


ـ أنت تشبه الصورة؟!


ـ وما الضرر؟


ـ أرني بطاقتك . أريد التأكد من هويتك.


لم يكن به طاقة للشجار لكنه في تلك الدقائق بالتحديد كان بحاجة ليصفو ذهنه من كل ما يكدره.


ـ حضرتك من؟


ـ حكومة..


ـ حتى لو كان الأمر كذلك. لا حق لك في إيقاف مواطن شريف بلا سبب.


ـ الصورة لقاتل عمه. عاشر زوجته ولما اكتشف الأمر هرب بعد ذبح العم المسكين.


ـ صدقني، لم أقتل أحدا. أنا مجهد فقط .


ـ والشامة ؟ وعيناك الجاحظتان؟


ـ الشامة من صنع ربنا، والعينان مرهقتان من السفر .


ـ لن أتركك قبل أن تريني بطاقتك؟!


اقترب النادل بعد أن علت الأصوات : الطيب أحسن يا أستاذ . اجعله يرى بطاقتك.


بكسل وتأفف شديد أخرج حافظته وانتزع البطاقة، قدمها لجليسه.


راح يحدق فيها، ويقارن الصورتين: تعال معي إلى القسم.


لم يكن به طاقة للكلام: أرجوك، أبعد عني. فتش عن المتهم في مكان آخر.


انتفض الشرطي السري من مكانه ممسكا بالبطاقة، والشاب يتبعه في مذلة. بعد خمس خطوات فقط . كان الشرطي السري مضرجا في دمائه بعد أن أخرج الشاب مطواة غرسها في جنبه فاخترقت الرئة، لم يمت على الفور.


هرع الإسعاف بحمل المطعون قبل أن يصفى دمه، واقتيد الشاب للقسم أما النادل فقد راح يمسح الدماء.


أثبتت التحريات أن الشاب بريء، لم يكن هو قاتل عمه، غير أنه المتهم الوحيد في جريمة قتل الشرطي السري .


ـــــــــــــــــ
من مجموعة «قهوة على الريحة»، إبداعات قصصية 63، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2022.