Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

الأديب الكبير سمير الفيل يكتب: «الحولاء» (قصة قصيرة)

 كتب:  العاصمة
 
الأديب الكبير سمير الفيل يكتب: «الحولاء» (قصة قصيرة)
الأديب الكبير سمير الفيل
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace
Elasimah AdPlace

هدتها، كنس ومسح وتنظيف زجاج الشبابيك ثم أدخلتها المطبخ للتقشير والتقطيع والسلق والتحمير، وكانت بلا سند. فبعد طلاق أمها ظلت مع والدها حتى يصرف عليها، وهي في كلية الصيدلة.


اسمها في شهادة الميلاد يسرا، ولكنها في البيت: البنت العوراء، المصيبة، الداهية. فربة البيت تمنحها اللقب الذي تراه يليق بها، وهي لا تستحق حتى طعامها لأنها ملعونة مثل أمها، وقد خيرها الأب بين أن تبقى معه أو تذهب لأمها التي ذهبت لقرية بعيدة في أقاصي الصعيد، فقال لها عقلها أن تبقى مع الوالد حتى يتيسر لها استكمال تعليمها.


كانت الزوجة حولاء فعلا، لها نظرة مخيفة خاصة عندما تجبرها على الاشتغال بأعمال المنزل حتى وهي راجعة من الكلية مجهدة، فهي لا تمنحها سوى ربع ساعة للراحة، وقلع ملابس الكلية، ثم تأمرها بأداء أعمال البيت كلها.


أرادت أن تخبر أباها بما يحدث لها في غيابه لكنها خشيت أن يقف في صف زوجته التي تغنج ليلة بعد ليلة بعد اختلائها به في حجرة النوم ذي المخدات الستان، وقفل الباب من الداخل بالترابيس. ودت أن يشملها ببعض عطفه خاصة إنها الابنة الوحيدة له غير أنه ظل منجذبا لتلك الحولاء ذات البصة المخيفة.


سافرت في إجازة نصف العام لأمها بعد تحايلها على أبيها التاجر في وكالة البلح، رأت في القطار الليلي مشاهد لم تكن مرت بها من قبل حيث الفقر المدقع يسيطر على حركات الناس، وحديثهم وتصرفاتهم .


حين نزلت المحطة وجدت ابن خال لها، ينتظرها بحمار أعجف كي تركب، وهو يقودها بلجام في يده، ففضلت المشي معه حتى وصلا إلى البيت.


قال لها عامر، وهو يسوي شاربه بعد أن تعشت وشربت الشاي الأسود: أنا ابن خالك، أحق من الغريب. خلصي تعليمك وتعالي عيشي معنا.


هزت رأسها في حيرة، وامتنعت عن التعقيب، وظلت في البيت الطيني المسقوف بعرائش الشجر، تنظر من الطاقات التي لا زجاج لها ولا حلقان خشبية، فترى الجبل الرمادي البعيد يكاد ينكفئ على القرية كلها.


ضمتها أمها ومسحت على شعرها، اعتذرت لها أنها تركتها مع زوجة الأب، ولكن ما باليد حيلة، فالأب الذي تخلى عنها بعد طلاقها منه لم يكن ليسمح لها بالحصول على أي مليم لو انحازت لها، وعاشت معها .


حتى اللطمة التي تلقتها أمامها وجعلت لثتها تنزف، أبكتها كما لم تبك من قبل، فشدها من شعرها آمرا إياها بالسكوت، وقتها أخذت قرارها بالذهاب مع أمها، لكن الأم نصحتها أن تبقى وكلها سنتان، وتنجز مهمتها، فحصولها على الشهادة الجامعية أهم من كل شيء.


كرر عامر طلبه لها بالزواج حالما تنتهي من دراستها حتى يستر لحمه، غير أنها اعتذرت، قالت لأمها إنها تريد أن تشتغل، وتصبح في مركز ممتاز، وستؤجل الزواج لهذا السبب.


ابن الخال لم يعشش في عقلها لهمجيته، ولا هي كانت قادرة على طيِّ صفحة الإهانات التي تلقتها أمها في حضرتها لأسباب لا تعرفها . بالتأكيد ستتعرض لنفس اللطمات طالما هي زوجة ؛ فالرجل هناك يركب الزوجة، مهما بلغت درجة تعليمها أو ذكائها .


ركبت القطار بعد انتهاء الإجازة التي قضتها مع أمها. مرت بنفس المشاهد المؤلمة التي استوعبتها هذه المرة، استقبلتها الحولاء بابتسامة باهتة . وعفت عنها ليلة العودة فلم تأمرها بشيء تفعله.


في صباح يوم العودة، وقبل خروج أبيها للعمل في وكالة البلح، هزها من نومها : الحقي بي في الصالة.


قامت مسرعة، غسلت وجهها ونشفته، مشطت شعرها وطرته بزيت الزيتون، جلست تترقب كلام أبيها القليل جدا معها، هو لن يستدعيها سوى لحادث جلل أو موقف مهم . ربت بيده على كتفها بمودة حقيقية : ابن عمك طلب يدك، وسوف تزورنا الأسرة مساء اليوم، وأنا شخصيا وافقت على طلبه.


عندها أطلقت الحولاء زغرودة لها ذيل ناري طويل، وبعد أن تركها الأب تتخبط في مشكلتها الجديدة، لمحت زوجة أبيها تضحك باتساع فكيها، وهي تنظر نحوها بتشف غريب.


قامت لتدخل حجرتها، كي تبعد عن قهقهات الأذى . بينما هي تمر بقربها، صفعت الحولاء بكل غل. دخلت حجرتها، رافعة رأسها في فضاء الحجرة، ولم تبك مطلقا.
7/ 11/ 2019.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


من المجموعة القصصية «قهوة على الريحة»... إصدار 2022.